بزنس الرصيف " تجارة أطفال الشوارع!
أسامة داود - القاهرة
هو اقتصاد خفي كأنشطة المخدرات والدعارة وتجارة السلاح، إلا أنه شرعي.. يُطلَق عليه رجال الأعمال "بزنس الرصيف".
إنه اقتصاد "أطفال" الشوارع، والأطفال - كما عرفتهم تقارير الأمم المتحدة - هم من دون الثامنة عشرة من العمر.
ترى "أطفال الشوارع" في مصر (وفقًا لأعمارهم) يبيعون السلع والمنتجات المصنعة محليًّا أو أجنبيًّا، سواء في مصانع أو تحت بئر السلم، على الأرصفة، وفي الميادين، وداخل الشوارع، والأزقَّة، والحواري.. في كل مكان وفي كل موقع، بداية من قطع غيار السيارات، مرورًا بالأجهزة الكهربائية المنزلية، والحاصلات الزراعية، وانتهاءً بالمناديل الورقية.
كل ذلك يتم في الخفاء، ويأتي من تجمعات لأطفال وفتية في سبيل رغيف الخبز أو ضمان الحد الأدنى من المعيشة من خلال الربح الذي يحققه البائع في نهاية اليوم. ورغم مطاردة جهاز شرطة المرافق، الذي أنشئ خصيصًا لهذا الغرض في مصر، فإن هذا النشاط لا يزال يتسع وتتزايد أعداد الأطفال العاملة به، نتيجة للأوضاع الاقتصادية العثرة التي تعاني منها مصر، فهو المصدر الوحيد للدخل لدى ما يقرب من نحو 5 ملايين نسمة حسب تقديرات الخبراء، تدفعهم الحاجة والبطالة والفقر إلى آخر ما تعاني منه الأسرة المصرية، الذي تحول مع الوقت إلى تنظيمات غير رسمية تحتكر الميادين والشوارع، حتى إشارات المرور والمواصلات (الأتوبيسات وقطارات السكك الحديدية)، وغير مسموح لبائع جديد - أيًّا كان سنُّه - الانضمام إلى صفوف العاملين بها إلا بعد اعتماده رسميًّا من جانب مسؤول الباعة الجائلين. ولكل منطقة رجل قد يكون "بلطجي" أو "تاجر جملة" يقوم بالمهمة، ينظِّم العمل بين الأطفال ويوزِّعه، فالعمل إنما يكون بشكل جماعي وإن بدا منفردًا؛ يحصل فيه الأطفال على السلع التي يتولَّون ترويجها، وفي نهاية اليوم يتم الحساب؛ ليحصل البائع على جزء من الربح أو يومية أو يدفعون نسبة، بالإضافة إلى ثمن البضاعة التي حصلوا عليها.. ليفترش معظمهم الرصيف في نهاية الليل للنوم.
نظرة عن قرب
الطفل "سالم" لم يتعدَّ الثانية عشرة من عمره، يحمل فوق جسده الواهن الضعيف من تراب الأرصفة أكثر مما يحمله وجه محارب من غبار المعارك، تحتضن ذراعه اليسرى صندوقًا صغيرًا من المناديل الورقية يقفز إلى أتوبيس، ويخترق الأجساد البشرية المتلاحمة ليبيع بضاعته، دوره أن يدخل أتوبيس، ثم الآخر فالآخر؛ ليعود إلى مكانه الذي يمثل بيته طوال أيام الصيف وهو "رصيف حديقة الحيوان" بجوار تمثال "نهضة مصر" فهو نقطة الانطلاق وكذلك العودة. والده أيضًا يتردد عليه كل مساء يحصل منه على ما يتولَّى توفيره، سالم لم يعرف شيئًا عن المدرسة سوى أنها "مكان أولاد الذوات وبس"، لكنه يحلم بأن يكون منهم، وهو بالطبع أمر مستحيل؛ لأن له أشقاء كثيرون ووالده عاطل.
ولسالم أخت تقوم بعمل مماثل، لكنها في إشارات المرور وبصناديق مناديل ورقية كبيرة، العائد اليومي لسالم يصل إلى 5 جنيهات بخلاف مصاريفه الشخصية التي لا تزيد عن سندوتشات فول، وذرة مشوي، ولبان. فاطمة فتاة في ربيع العمر، العمل الوحيد الذي أمكنها العثور عليه هو بيع المناديل في إشارة مرور شارع مراد بالجيزة، عمرها الوظيفي 3 سنوات تعرضت خلالها لمحاولات اغتصاب بعدد شعر الرأس لتهجر المكان لمكان آخر. أبناء "الذوات" وقائدو السيارات الضخمة هم أكثر الذين يتحرشون بها، لكنها دائمًا تقاوم. الفقر ومرض الأب وعدم وجود أي نوع من أنواع الدخل هي الدوافع وراء العمل في بيع المناديل الورقية. ازدحام الأرصفة بالباعة، وصناديق الفلايات، ولعب الأطفال جعل من الوصول إلى مكان ما على الرصيف "حلم" يراود الشباب والأطفال، وأصبح حكرًا على من لديه القدرة على التفاهم مع البلدية أو شرطة المرافق. عند محطة مترو "سعد زغلول" وفي التقاطع بين شارع "منصور" مع "نبار" على بعد بضعة أمتار من مجلس الوزراء، ووزارات الإنتاج الحربي، والإسكان، والصحة، والداخلية، والمالية، والعدل، والتربية والتعليم، والتموين، والبحث العلمي.. تضيع معالم الشوارع وتتحول إلى أزقَّة يصعب اختراقها من جموع الباعة التي تحاصر فتحات النزول والصعود لمترو الأنفاق، ورغم الحملات المستمرة من البلدية وشرطة المرافق فإنه من الصعب المرور من هذا الشارع أو ذاك إلا بصعوبة.
انهيار الاقتصاد.. الدافع والأثر!
إلى جانب المناديل الورقية، تتركز نشاطات "الأطفال" التجارية في بيع بضائع "خفيفة" كأمشاط الشعر، البطاريات الصغيرة، وبعض لعب الأطفال البسيطة ذات الأسعار الرخيصة.
ووسط صخب وضجيج، نجد الأطفال الأكبر سنًّا متمركزين في المناطق التجارية؛ الكل يبيع: ملابس جاهزة أطفالي وشبابي، أحزمة وأحذية ومصنوعات جلدية.. حركة بيع غير عادية، في الوقت الذي تخلو محلات وسط البلد من الزبائن وتعاني الركود والكساد، خاصة في ظل نظام الضرائب التي لا يتحمل هؤلاء أي نوع منها.
أما الزبائن فأغلبهم من الطبقة التي كانت متوسطة وتراجعت إلى تحت خط الفقر، وهي طبقة الموظفين والعمال التي تمثل الشريحة الأكثر قوة شرائية. والأسعار تتراجع إلى 25% عن مثيلاتها داخل محلات وسط البلد.
وهكذا، تحول "بيزنس الرصيف" إلى نظام جارٍ لن توقفه مطاردة الحكومة أو استخدام العصا الغليظة معه، خاصة أن بعض متزعمي "عصابات أطفال الشوارع" يدافعون عن نشاطهم، بل ويمثلون الأمر على أنه "مدرسة" لتدريب وتأهيل العديد من الأطفال والشباب؛ ليصبحوا فيما بعد رجال أعمال! وعند الحديث مع بعضهم يمكن رصد "مزايا" للنشاط تتلخص في الآتي:
- وسيلة لعلاج آثار البطالة التي يعاني منها أكثر من 3 ملايين مواطن، وذلك عن طريق "توظيف" أبناء العاطلين.
- تقليص الجريمة؛ نظرًا لتوفيره الحدود الدنيا من المعيشة لشريحة عريضة من الأسر في مصر.
- مصدر تسويقي للمنتجات الصغيرة لبعض الأسر المصرية، وإنعاش حركة التجارة التي أصابها الكساد في المنطقة المتمدنة.
- يُعَدّ مصدر دخل غير مباشر للاقتصاد المصري، ويرفع من معدلات الدخل القومي للدولة، ولكن بشكل غير منظور. وإن كانت هذه الظاهرة ذات آثار سلبية ومدمِّرة على كافة نواحي المجتمع، فإننا في محاولة للتركيز على الآثار الاقتصادية، نرصد الآتي:
1 - المساهمة في تسرُّب آلاف الأطفال سنويًّا من التعليم، وانضمامهم إلى طابور الباعة المتجولين، وهو ما يهدد مستقبل الدولة من جرَّاء أجيال جاهلة.
2 - إحداث حالة خلل في المجتمع من جرَّاء ارتكاب هؤلاء إلى بعض الجرائم، وسقوطهم في سن صغيرة في أيدي تجار المخدرات والنشاطات الممنوعة.
3 - دعم السوق السوداء بأجيال قادرة على استمرارية تلك السوق غير الشرعية، وهو ما يعمل على إضعاف الاقتصاد الوطني.
4 - التهرب الضريبي؛ وذلك لعدم وجود نظام يحكم هؤلاء، وبالتالي يكون دخلهم غير منظور.
5 - المساعدة على تصريف البضائع المهربة، والتي تساهم في القضاء على الصناعة الوطنية.
الوقاية خير من العلاج
البحث عن حل للأزمة يتطلب تدخل أجهزة الدولة، ليس لمحاربة ومطاردة الباعة الجائلين، ولكن لإنقاذ الأطفال منهم والذين يتعرضون غالبًا لعمليات خطف واغتصاب، وكشوف الحوادث في أقسام الشرطة، ودور القضاء والنيابات تزخر بآلاف الجرائم التي ارتكبت ضد الطفولة البائسة.
ومما يُضعف قدرة الحكومة على مواجهة ظاهرة "بزنس الرصيف" التي ينضم إليها الأطفال بغزارة:
1 - قدرة الدولة على توظيف هذه الأعداد في وظائف رسمية شيء مستحيل.
2 - الحكومة ليس لديها إستراتيجية أو خطط تكتيكية لتصريف المنتجات المصنعة منزليًّا، والتي تساهم بدورها في امتصاص القوى العاملة.
3 - على الرغم من تهرب هذه الشريحة من دفع الضرائب والرسوم فإن عملها لا يحمل الدولة أعباء خدمية، مثل المياه والكهرباء والمتاجر، فهم يقومون بالتجارة والبيع والشراء من خلال الشوارع والميادين على حد تأكيدات الدكتور "حمدي عبد العظيم" رئيس مركز البحوث بأكاديمية السادات الإدارية. وإن كان "أطفال الشوارع" في مصر وباء يحتاج إلى علاج فعَّال، ترى بعض أجهزة الدولة أنه يتمثل في القبض عليهم، وإلحاقهم بمؤسسات الأحداث، فنحن نرى أن الداء الفعلي هو الفقر والجوع والمرض وشدة الحاجة، وتبقى الوقاية خير من العلاج.
أسامة داود - القاهرة
هو اقتصاد خفي كأنشطة المخدرات والدعارة وتجارة السلاح، إلا أنه شرعي.. يُطلَق عليه رجال الأعمال "بزنس الرصيف".
إنه اقتصاد "أطفال" الشوارع، والأطفال - كما عرفتهم تقارير الأمم المتحدة - هم من دون الثامنة عشرة من العمر.
ترى "أطفال الشوارع" في مصر (وفقًا لأعمارهم) يبيعون السلع والمنتجات المصنعة محليًّا أو أجنبيًّا، سواء في مصانع أو تحت بئر السلم، على الأرصفة، وفي الميادين، وداخل الشوارع، والأزقَّة، والحواري.. في كل مكان وفي كل موقع، بداية من قطع غيار السيارات، مرورًا بالأجهزة الكهربائية المنزلية، والحاصلات الزراعية، وانتهاءً بالمناديل الورقية.
كل ذلك يتم في الخفاء، ويأتي من تجمعات لأطفال وفتية في سبيل رغيف الخبز أو ضمان الحد الأدنى من المعيشة من خلال الربح الذي يحققه البائع في نهاية اليوم. ورغم مطاردة جهاز شرطة المرافق، الذي أنشئ خصيصًا لهذا الغرض في مصر، فإن هذا النشاط لا يزال يتسع وتتزايد أعداد الأطفال العاملة به، نتيجة للأوضاع الاقتصادية العثرة التي تعاني منها مصر، فهو المصدر الوحيد للدخل لدى ما يقرب من نحو 5 ملايين نسمة حسب تقديرات الخبراء، تدفعهم الحاجة والبطالة والفقر إلى آخر ما تعاني منه الأسرة المصرية، الذي تحول مع الوقت إلى تنظيمات غير رسمية تحتكر الميادين والشوارع، حتى إشارات المرور والمواصلات (الأتوبيسات وقطارات السكك الحديدية)، وغير مسموح لبائع جديد - أيًّا كان سنُّه - الانضمام إلى صفوف العاملين بها إلا بعد اعتماده رسميًّا من جانب مسؤول الباعة الجائلين. ولكل منطقة رجل قد يكون "بلطجي" أو "تاجر جملة" يقوم بالمهمة، ينظِّم العمل بين الأطفال ويوزِّعه، فالعمل إنما يكون بشكل جماعي وإن بدا منفردًا؛ يحصل فيه الأطفال على السلع التي يتولَّون ترويجها، وفي نهاية اليوم يتم الحساب؛ ليحصل البائع على جزء من الربح أو يومية أو يدفعون نسبة، بالإضافة إلى ثمن البضاعة التي حصلوا عليها.. ليفترش معظمهم الرصيف في نهاية الليل للنوم.
نظرة عن قرب
الطفل "سالم" لم يتعدَّ الثانية عشرة من عمره، يحمل فوق جسده الواهن الضعيف من تراب الأرصفة أكثر مما يحمله وجه محارب من غبار المعارك، تحتضن ذراعه اليسرى صندوقًا صغيرًا من المناديل الورقية يقفز إلى أتوبيس، ويخترق الأجساد البشرية المتلاحمة ليبيع بضاعته، دوره أن يدخل أتوبيس، ثم الآخر فالآخر؛ ليعود إلى مكانه الذي يمثل بيته طوال أيام الصيف وهو "رصيف حديقة الحيوان" بجوار تمثال "نهضة مصر" فهو نقطة الانطلاق وكذلك العودة. والده أيضًا يتردد عليه كل مساء يحصل منه على ما يتولَّى توفيره، سالم لم يعرف شيئًا عن المدرسة سوى أنها "مكان أولاد الذوات وبس"، لكنه يحلم بأن يكون منهم، وهو بالطبع أمر مستحيل؛ لأن له أشقاء كثيرون ووالده عاطل.
ولسالم أخت تقوم بعمل مماثل، لكنها في إشارات المرور وبصناديق مناديل ورقية كبيرة، العائد اليومي لسالم يصل إلى 5 جنيهات بخلاف مصاريفه الشخصية التي لا تزيد عن سندوتشات فول، وذرة مشوي، ولبان. فاطمة فتاة في ربيع العمر، العمل الوحيد الذي أمكنها العثور عليه هو بيع المناديل في إشارة مرور شارع مراد بالجيزة، عمرها الوظيفي 3 سنوات تعرضت خلالها لمحاولات اغتصاب بعدد شعر الرأس لتهجر المكان لمكان آخر. أبناء "الذوات" وقائدو السيارات الضخمة هم أكثر الذين يتحرشون بها، لكنها دائمًا تقاوم. الفقر ومرض الأب وعدم وجود أي نوع من أنواع الدخل هي الدوافع وراء العمل في بيع المناديل الورقية. ازدحام الأرصفة بالباعة، وصناديق الفلايات، ولعب الأطفال جعل من الوصول إلى مكان ما على الرصيف "حلم" يراود الشباب والأطفال، وأصبح حكرًا على من لديه القدرة على التفاهم مع البلدية أو شرطة المرافق. عند محطة مترو "سعد زغلول" وفي التقاطع بين شارع "منصور" مع "نبار" على بعد بضعة أمتار من مجلس الوزراء، ووزارات الإنتاج الحربي، والإسكان، والصحة، والداخلية، والمالية، والعدل، والتربية والتعليم، والتموين، والبحث العلمي.. تضيع معالم الشوارع وتتحول إلى أزقَّة يصعب اختراقها من جموع الباعة التي تحاصر فتحات النزول والصعود لمترو الأنفاق، ورغم الحملات المستمرة من البلدية وشرطة المرافق فإنه من الصعب المرور من هذا الشارع أو ذاك إلا بصعوبة.
انهيار الاقتصاد.. الدافع والأثر!
إلى جانب المناديل الورقية، تتركز نشاطات "الأطفال" التجارية في بيع بضائع "خفيفة" كأمشاط الشعر، البطاريات الصغيرة، وبعض لعب الأطفال البسيطة ذات الأسعار الرخيصة.
ووسط صخب وضجيج، نجد الأطفال الأكبر سنًّا متمركزين في المناطق التجارية؛ الكل يبيع: ملابس جاهزة أطفالي وشبابي، أحزمة وأحذية ومصنوعات جلدية.. حركة بيع غير عادية، في الوقت الذي تخلو محلات وسط البلد من الزبائن وتعاني الركود والكساد، خاصة في ظل نظام الضرائب التي لا يتحمل هؤلاء أي نوع منها.
أما الزبائن فأغلبهم من الطبقة التي كانت متوسطة وتراجعت إلى تحت خط الفقر، وهي طبقة الموظفين والعمال التي تمثل الشريحة الأكثر قوة شرائية. والأسعار تتراجع إلى 25% عن مثيلاتها داخل محلات وسط البلد.
وهكذا، تحول "بيزنس الرصيف" إلى نظام جارٍ لن توقفه مطاردة الحكومة أو استخدام العصا الغليظة معه، خاصة أن بعض متزعمي "عصابات أطفال الشوارع" يدافعون عن نشاطهم، بل ويمثلون الأمر على أنه "مدرسة" لتدريب وتأهيل العديد من الأطفال والشباب؛ ليصبحوا فيما بعد رجال أعمال! وعند الحديث مع بعضهم يمكن رصد "مزايا" للنشاط تتلخص في الآتي:
- وسيلة لعلاج آثار البطالة التي يعاني منها أكثر من 3 ملايين مواطن، وذلك عن طريق "توظيف" أبناء العاطلين.
- تقليص الجريمة؛ نظرًا لتوفيره الحدود الدنيا من المعيشة لشريحة عريضة من الأسر في مصر.
- مصدر تسويقي للمنتجات الصغيرة لبعض الأسر المصرية، وإنعاش حركة التجارة التي أصابها الكساد في المنطقة المتمدنة.
- يُعَدّ مصدر دخل غير مباشر للاقتصاد المصري، ويرفع من معدلات الدخل القومي للدولة، ولكن بشكل غير منظور. وإن كانت هذه الظاهرة ذات آثار سلبية ومدمِّرة على كافة نواحي المجتمع، فإننا في محاولة للتركيز على الآثار الاقتصادية، نرصد الآتي:
1 - المساهمة في تسرُّب آلاف الأطفال سنويًّا من التعليم، وانضمامهم إلى طابور الباعة المتجولين، وهو ما يهدد مستقبل الدولة من جرَّاء أجيال جاهلة.
2 - إحداث حالة خلل في المجتمع من جرَّاء ارتكاب هؤلاء إلى بعض الجرائم، وسقوطهم في سن صغيرة في أيدي تجار المخدرات والنشاطات الممنوعة.
3 - دعم السوق السوداء بأجيال قادرة على استمرارية تلك السوق غير الشرعية، وهو ما يعمل على إضعاف الاقتصاد الوطني.
4 - التهرب الضريبي؛ وذلك لعدم وجود نظام يحكم هؤلاء، وبالتالي يكون دخلهم غير منظور.
5 - المساعدة على تصريف البضائع المهربة، والتي تساهم في القضاء على الصناعة الوطنية.
الوقاية خير من العلاج
البحث عن حل للأزمة يتطلب تدخل أجهزة الدولة، ليس لمحاربة ومطاردة الباعة الجائلين، ولكن لإنقاذ الأطفال منهم والذين يتعرضون غالبًا لعمليات خطف واغتصاب، وكشوف الحوادث في أقسام الشرطة، ودور القضاء والنيابات تزخر بآلاف الجرائم التي ارتكبت ضد الطفولة البائسة.
ومما يُضعف قدرة الحكومة على مواجهة ظاهرة "بزنس الرصيف" التي ينضم إليها الأطفال بغزارة:
1 - قدرة الدولة على توظيف هذه الأعداد في وظائف رسمية شيء مستحيل.
2 - الحكومة ليس لديها إستراتيجية أو خطط تكتيكية لتصريف المنتجات المصنعة منزليًّا، والتي تساهم بدورها في امتصاص القوى العاملة.
3 - على الرغم من تهرب هذه الشريحة من دفع الضرائب والرسوم فإن عملها لا يحمل الدولة أعباء خدمية، مثل المياه والكهرباء والمتاجر، فهم يقومون بالتجارة والبيع والشراء من خلال الشوارع والميادين على حد تأكيدات الدكتور "حمدي عبد العظيم" رئيس مركز البحوث بأكاديمية السادات الإدارية. وإن كان "أطفال الشوارع" في مصر وباء يحتاج إلى علاج فعَّال، ترى بعض أجهزة الدولة أنه يتمثل في القبض عليهم، وإلحاقهم بمؤسسات الأحداث، فنحن نرى أن الداء الفعلي هو الفقر والجوع والمرض وشدة الحاجة، وتبقى الوقاية خير من العلاج.