المشكلات كثيرة في مصر أخطرها المخدرات والعنف: الشارع صار فسحة حرّية... وحضناً بديلاً من العائلة
«أبونا ربنا يتعبه زي ما تعبنا كان بيضرب أمي، وسابها واتجوز واحدة تانية، وما اهتمش بالصرف علينا، واضطرت أمي تنزل كل يوم لبيع السميط والخضروات في الميدان، وأخذتني معاها، وده اللي علمني إزاي أعيش في الشارع» (طفلة عمرها 13 عاماً).
«أمي اتطلقت من أبويا، وكل واحد فيهم اتجوز، أبويا كان على طول يضربني، وكمان مراة أبويا كانت بتضربني وتهيني، وتبعتني اشتري لها حاجات، وساعات كنت أشحت في الشارع وأديها الفلوس، سبت أبويا، ورحت أعيش مع خالي، وكان خالي يقول لي: روحي اشحتي وهاتي فلوس، أنا مش هاصرف عليكي، ورحت أعيش مع أمي، جوز أمي طردني من البيت، وقال مش عايزها هنا، فنزلت الشارع، ومارجعتش تاني» (شابة عمرها 20 عاماً)•
هذه الأقوال لأطفال وشباب شوارع في مصر حيث تشير التقديرات إلى أن واحداً من بين كل ثلاثة من سكان المدن يعيش تحت خط الفقر. مما يعني أن القاهرة الكبرى فيها نحو خمسة ملايين فقير، خمسون في المئة منهم أطفال تحت سن الـ 18، أي أن هناك نحو 2.5 مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر يشكلون مصدراً رئيساً لإفراز ظاهرة أولاد الشوارع.
وعلى رغم كثرة الدراسات والأبحاث التي أجريت على هذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن هناك صعوبات تواجه الباحثين في مثل هذه الحالات تجعل نتائجها بعيدة بعض الشيء عن الواقع. فأولاد الشوارع يتمتعون بقدرة فائقة على التحايل والتسويف في خصوص الإفصاح عن هوياتهم وسيرهم الذاتية، وهذه القدرة تكنيك ضروري يستخدمونه ليتمكنوا من البقاء والتأقلم مع حياة الشارع التي لا يتحملها أكثر أفراد المجتمع.
ولذلك أجرت منظمة «يونيسيف» دراسة مستفيضة عنوانها «أطفال خارج إطار الحماية» تناولت أطفال الشارع في القاهرة الكبرى استغرقت 11 عاماً وصدرت أخيراً.
الاعتماد الرئيس في الدراسة كان على المعلومات المستقاة من أطفال الشوارع أنفسهم، على فترات متفاوتة ومبتاعدة، وهو ما ساعد في وضع أطر عامة تميز أطفال الشوارع والعوامل التي تؤدي إلى لجوئهم إلى الشارع.
غياب الأب وتفكك الأسرة من العوامل الطاغية في أكثر الأحوال، وهذا الغياب قد يكون بسبب الوفاة، أو السجن، أو الانفصال عن الزوجة، أو الغياب المعنوي بسبب المرض، أو إدمان الخمر والمخدرات.
عنف جسدي ونفسي
وأكثر حكايات الأطفال تخللتها جوانب خاصة بتعرضهم للعنف، سواء الجسدي أم النفسي، أو تعرضهم لعلاقات عنيفة بين الأب والأم، أو زوج الأم مع الأم، أو الأب مع زوجته، وغيرها.
ويشكل الخوف كذلك عاملاً مهماً في خلفيات أولئك الأطفال، فإذا أضاع الطفل شيئاً، أو تسبب في إتلاف شيء، أو تقاعس عن أداء عمل، وارتبط ذلك بالعقاب العنيف، فهو يتجه إلى الكذب خوفاً من المواجهة. يقول طفل (15 عاماً): «الراجل بتاع الفرن (حيث كان يعمل) إداني 40 جنيه أجيب بيهم عيش، وقعوا مني وخفت أرجع، الكلام ده كان من سنة، ولسه قاعد بره البيت، وخايف أرجع».
والحقيقة أن الهروب من «البيت» إلى الشارع يكون أحياناً هروباً أقرب مما نتخيل. فكثير من الأطفال يتعرضون لحياة الشارع من خلال مساعدة آبائهم وأمهاتهم في العمل من خلال أنشطة متصلة بالشارع، سواء كماسح أحذية، أم بائع حلويات في القطار، أو ورد عند إشارات المرور. وهو ما يسهل تعرفهم عن قرب واندماجهم في حياة الشارع وسكان الشارع.
وإذا كان من الطبيعي أن يكون الاحتكاك عن قرب بالشارع من العوامل المساعدة على الهروب إليه، فإن ذلك ليس طبيعياً بالنسبة إلى المدرسة. وتوضح الدراسة أن المدارس عنصر طرد للكثير من الأطفال بدلاً من أن تكون عنصر جذب لهم. وقد ترك البعض المدرسة بسبب الفشل وتكرار الرسوب، إما لعدم الرغبة وكراهية التعليم، أو للانشغال بالحصول على المال لإعالة الأسرة، أو تحت ضغط الآباء ليساندوهم في إدرار الدخل، أو بسبب سوء المعاملة والضرب.
يقول طفل (14 عاماً): «طلعت من تانية ابتدائي علشان خاطر الأستاذ كان غبي. كان في الرايحة والجاية يضربني من غير سبب ولما قلت لوالدي قال لي خليه يضربك علشان تتعلم. فسبت البيت والمدرسة»
قوة جاذبة أخرى إلى الشارع هي العمل في الورش الحرفية، فـ 30.6 في المئة من عينة الدراسة سبق لها العمل في ورش مهنية بسبب غياب الأب أو عدم قدرته على سد احتياجات الأسرة. وغالباً ما يتعرض الطفل لسوء المعاملة والضرب من صاحب الورشة، بالإضافة إلى المخاطر الصحية، والنفسية. فالأسرة عادة تحصل على دخل الطفل من العمل، وهو ما يقلل من أهمية العمل بالنسبة إليه مقارنة بما يحصل عليه غيره من فرص الشارع.
وهناك بالطبع عامل الأصحاب والجيران، فغالبية أطفال الشارع وشبابه من أحياء عشوائية في القاهرة، أو من محافظات ريفية وتحديداً المناطق العشوائية حيث الكثافة الكبيرة. وكثير من أولئك الأطفال نزلوا الى الشارع إما للهو أو للحصول على المال، وذلك بتشجيع من اصدقائهم وجيرانهم الذين قد يصطحبون الطفل أو الطفلة إلى أماكن اللهو، وتدخين السجائر، وتعريفهم بالاعمال التي يمكن أن توفر لهم فرص عمل مثل بيع المناديل وغسل السيارات.
وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض، فإن الشارع له بريق خاص للأطفال. فهو يوفر لهم الحصول على المال، والشعور بالحرية، وإشباع رغباتهم المكبوتة من دون حساب أو رقيب. كما يحصلون على اسماء شهرة محببة لهم وغالباً تكون مشتقة من صفات أو من بطولات وهمية، مثل «جنرال» و»البرنس» ووغيرها. وتتوافر في الشارع كذلك وسائل الترفيه من دراجات، ولعب الكرة، ودخول السينما، ولعب الأتاري، والجلوس في المقاهي. والأهم من كل ذلك أنهم يجدون في الشارع تعاطفاً بين أفراده. فهناك حماية للضعيف، وسؤال عن المريض والمحتجز في قسم الشرطة، وفرص الرجولة والأنوثة المبكرة.
لكن حياة الشارع مليئة بالمشكلات، وهي تبدأ من مطاردة «الحكومة» (الشرطة) لسكانه. وقد تفرض إتاوات على الأطفال في سبيل تركهم يتسولون. وهذه الإتاوات يمكن أن تكون مالاً، أو الحصول على أطعمة ومشروبات مجانية، ومسح الأحذية، وتنظيف قسم الشرطة، وغسل سيارات الشرطة، وقد تصل إلى حد الإتاوات الجنسية.
يقول طفل (15 عاماً): «الحكومة بتمكسني وبتعورني قوي، لكن دلوقت، لأ، بهرب منهم، وإذا اتمسكت أبويا بييجي يستلمني من نقطة بولاق تاني يوم».
وإضافة إلى «الحكومة»، هناك النظرة السيئة من المجتمع إليهم، والشتائم والعنف وتعاطي المكيفات والمخدرات عنوة، والممارسات الجنسية، والسرقة وغيرها.
والمثير للدهشة أن الكثيرين من أولئك الأطفال قادرون على المكاشفة مع النفس، فالبعض راض عن نفسه، والبعض الآخر يكشف عن معاناته والنظرة الدونية لذاته. ولوحظ أن التقويم الإيجابي للنفس ينبثق من الاعتزاز بالنفس، واحترام الذات للقدرة على التكسب ومساندة الأسرة، أو لاستمرار بعضهم في الدراسة، أو لرفضهم بعض الممارسات في الشارع، أو لإحساس الطفل بأنه يعيش الحياة بطولها وعرضها.
لكن أعداداً أكثر من أطفال الشارع وشبابه تشعر بالإحباط، وتنظر إلى نفسها نظرة دونية مقارنة بالآخرين. إنهم قلقون على مستقبلهم وغير راضين عن أنفسهم، ويشعرون بالسخط على أسرهم أو أفراد منها، وينتابهم الإحساس بأنهم ضحية للظروف و»البهدلة» التي يتعرضون لها. يقول شاب (18 عاماً): «بشم كلة، وباخذ برشام، آمال أعمل إيه، ما انت شايف القرف اللي الواحد فيه».
ويقول طفل (13 عاماً): «الواحد مرمي زي الكلب في الشارع، من غير أكل ولا شرب ولا لبس عامل زي صفيحة الزبالة وأقل من كده».
وسواء كانت نظرة أطفال الشوارع الى أنفسهم سلبية أم إيجابية، فإن المؤكد أن غالبيتهم لا تعيش في انعزالية، لكنهم منخرطون اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً في نسيج يشمل الأطفال المراهقين والشباب. وجميعهم يتعرض لتنشئة اجتماعية منحرفة وغير نمطية، وهذا يتعارض بشدة مع الاتجاه السائد الذي بمقتضاه يتصور البعض أنه يمكن إنقاذ أولئك الأطفال بمجرد توافر البدائل والإمكانيات الممكنة. ويؤكد واضعو الدراسة أن السبيل الوحيد للإنقاذ هو التحول التدريجي الطويل المدى لهوية أولئك الأطفال ويتم ذلك من خلال «العمل الاجتماعي في الشارع» وهو فلسفة إنسانية تستهدف خلق حلقة وصل بين مؤسسات المجتمع الأصلي والشباب الذين يمثلون شريحة منشقة عنه•
أطفال الشوارع إذاً في أمس الحاجة الى توفير حقوقهم الأساسية، واستخدام الأساليب التأديبية والتأهيلية بالإكراه غير مجدية. هم في حاجة إلى بناء علاقات ثقة واحترام مع بالغين يهتمون بهم، ويصغون إليهم ويحاورونهم، إنها من الظواهر التي لا يمكن القضاء عليها بسهولة، لكن يمكن التخفيف من وطأتها.
«أبونا ربنا يتعبه زي ما تعبنا كان بيضرب أمي، وسابها واتجوز واحدة تانية، وما اهتمش بالصرف علينا، واضطرت أمي تنزل كل يوم لبيع السميط والخضروات في الميدان، وأخذتني معاها، وده اللي علمني إزاي أعيش في الشارع» (طفلة عمرها 13 عاماً).
«أمي اتطلقت من أبويا، وكل واحد فيهم اتجوز، أبويا كان على طول يضربني، وكمان مراة أبويا كانت بتضربني وتهيني، وتبعتني اشتري لها حاجات، وساعات كنت أشحت في الشارع وأديها الفلوس، سبت أبويا، ورحت أعيش مع خالي، وكان خالي يقول لي: روحي اشحتي وهاتي فلوس، أنا مش هاصرف عليكي، ورحت أعيش مع أمي، جوز أمي طردني من البيت، وقال مش عايزها هنا، فنزلت الشارع، ومارجعتش تاني» (شابة عمرها 20 عاماً)•
هذه الأقوال لأطفال وشباب شوارع في مصر حيث تشير التقديرات إلى أن واحداً من بين كل ثلاثة من سكان المدن يعيش تحت خط الفقر. مما يعني أن القاهرة الكبرى فيها نحو خمسة ملايين فقير، خمسون في المئة منهم أطفال تحت سن الـ 18، أي أن هناك نحو 2.5 مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر يشكلون مصدراً رئيساً لإفراز ظاهرة أولاد الشوارع.
وعلى رغم كثرة الدراسات والأبحاث التي أجريت على هذه الظاهرة الخطيرة، إلا أن هناك صعوبات تواجه الباحثين في مثل هذه الحالات تجعل نتائجها بعيدة بعض الشيء عن الواقع. فأولاد الشوارع يتمتعون بقدرة فائقة على التحايل والتسويف في خصوص الإفصاح عن هوياتهم وسيرهم الذاتية، وهذه القدرة تكنيك ضروري يستخدمونه ليتمكنوا من البقاء والتأقلم مع حياة الشارع التي لا يتحملها أكثر أفراد المجتمع.
ولذلك أجرت منظمة «يونيسيف» دراسة مستفيضة عنوانها «أطفال خارج إطار الحماية» تناولت أطفال الشارع في القاهرة الكبرى استغرقت 11 عاماً وصدرت أخيراً.
الاعتماد الرئيس في الدراسة كان على المعلومات المستقاة من أطفال الشوارع أنفسهم، على فترات متفاوتة ومبتاعدة، وهو ما ساعد في وضع أطر عامة تميز أطفال الشوارع والعوامل التي تؤدي إلى لجوئهم إلى الشارع.
غياب الأب وتفكك الأسرة من العوامل الطاغية في أكثر الأحوال، وهذا الغياب قد يكون بسبب الوفاة، أو السجن، أو الانفصال عن الزوجة، أو الغياب المعنوي بسبب المرض، أو إدمان الخمر والمخدرات.
عنف جسدي ونفسي
وأكثر حكايات الأطفال تخللتها جوانب خاصة بتعرضهم للعنف، سواء الجسدي أم النفسي، أو تعرضهم لعلاقات عنيفة بين الأب والأم، أو زوج الأم مع الأم، أو الأب مع زوجته، وغيرها.
ويشكل الخوف كذلك عاملاً مهماً في خلفيات أولئك الأطفال، فإذا أضاع الطفل شيئاً، أو تسبب في إتلاف شيء، أو تقاعس عن أداء عمل، وارتبط ذلك بالعقاب العنيف، فهو يتجه إلى الكذب خوفاً من المواجهة. يقول طفل (15 عاماً): «الراجل بتاع الفرن (حيث كان يعمل) إداني 40 جنيه أجيب بيهم عيش، وقعوا مني وخفت أرجع، الكلام ده كان من سنة، ولسه قاعد بره البيت، وخايف أرجع».
والحقيقة أن الهروب من «البيت» إلى الشارع يكون أحياناً هروباً أقرب مما نتخيل. فكثير من الأطفال يتعرضون لحياة الشارع من خلال مساعدة آبائهم وأمهاتهم في العمل من خلال أنشطة متصلة بالشارع، سواء كماسح أحذية، أم بائع حلويات في القطار، أو ورد عند إشارات المرور. وهو ما يسهل تعرفهم عن قرب واندماجهم في حياة الشارع وسكان الشارع.
وإذا كان من الطبيعي أن يكون الاحتكاك عن قرب بالشارع من العوامل المساعدة على الهروب إليه، فإن ذلك ليس طبيعياً بالنسبة إلى المدرسة. وتوضح الدراسة أن المدارس عنصر طرد للكثير من الأطفال بدلاً من أن تكون عنصر جذب لهم. وقد ترك البعض المدرسة بسبب الفشل وتكرار الرسوب، إما لعدم الرغبة وكراهية التعليم، أو للانشغال بالحصول على المال لإعالة الأسرة، أو تحت ضغط الآباء ليساندوهم في إدرار الدخل، أو بسبب سوء المعاملة والضرب.
يقول طفل (14 عاماً): «طلعت من تانية ابتدائي علشان خاطر الأستاذ كان غبي. كان في الرايحة والجاية يضربني من غير سبب ولما قلت لوالدي قال لي خليه يضربك علشان تتعلم. فسبت البيت والمدرسة»
قوة جاذبة أخرى إلى الشارع هي العمل في الورش الحرفية، فـ 30.6 في المئة من عينة الدراسة سبق لها العمل في ورش مهنية بسبب غياب الأب أو عدم قدرته على سد احتياجات الأسرة. وغالباً ما يتعرض الطفل لسوء المعاملة والضرب من صاحب الورشة، بالإضافة إلى المخاطر الصحية، والنفسية. فالأسرة عادة تحصل على دخل الطفل من العمل، وهو ما يقلل من أهمية العمل بالنسبة إليه مقارنة بما يحصل عليه غيره من فرص الشارع.
وهناك بالطبع عامل الأصحاب والجيران، فغالبية أطفال الشارع وشبابه من أحياء عشوائية في القاهرة، أو من محافظات ريفية وتحديداً المناطق العشوائية حيث الكثافة الكبيرة. وكثير من أولئك الأطفال نزلوا الى الشارع إما للهو أو للحصول على المال، وذلك بتشجيع من اصدقائهم وجيرانهم الذين قد يصطحبون الطفل أو الطفلة إلى أماكن اللهو، وتدخين السجائر، وتعريفهم بالاعمال التي يمكن أن توفر لهم فرص عمل مثل بيع المناديل وغسل السيارات.
وعلى عكس ما قد يتوقعه البعض، فإن الشارع له بريق خاص للأطفال. فهو يوفر لهم الحصول على المال، والشعور بالحرية، وإشباع رغباتهم المكبوتة من دون حساب أو رقيب. كما يحصلون على اسماء شهرة محببة لهم وغالباً تكون مشتقة من صفات أو من بطولات وهمية، مثل «جنرال» و»البرنس» ووغيرها. وتتوافر في الشارع كذلك وسائل الترفيه من دراجات، ولعب الكرة، ودخول السينما، ولعب الأتاري، والجلوس في المقاهي. والأهم من كل ذلك أنهم يجدون في الشارع تعاطفاً بين أفراده. فهناك حماية للضعيف، وسؤال عن المريض والمحتجز في قسم الشرطة، وفرص الرجولة والأنوثة المبكرة.
لكن حياة الشارع مليئة بالمشكلات، وهي تبدأ من مطاردة «الحكومة» (الشرطة) لسكانه. وقد تفرض إتاوات على الأطفال في سبيل تركهم يتسولون. وهذه الإتاوات يمكن أن تكون مالاً، أو الحصول على أطعمة ومشروبات مجانية، ومسح الأحذية، وتنظيف قسم الشرطة، وغسل سيارات الشرطة، وقد تصل إلى حد الإتاوات الجنسية.
يقول طفل (15 عاماً): «الحكومة بتمكسني وبتعورني قوي، لكن دلوقت، لأ، بهرب منهم، وإذا اتمسكت أبويا بييجي يستلمني من نقطة بولاق تاني يوم».
وإضافة إلى «الحكومة»، هناك النظرة السيئة من المجتمع إليهم، والشتائم والعنف وتعاطي المكيفات والمخدرات عنوة، والممارسات الجنسية، والسرقة وغيرها.
والمثير للدهشة أن الكثيرين من أولئك الأطفال قادرون على المكاشفة مع النفس، فالبعض راض عن نفسه، والبعض الآخر يكشف عن معاناته والنظرة الدونية لذاته. ولوحظ أن التقويم الإيجابي للنفس ينبثق من الاعتزاز بالنفس، واحترام الذات للقدرة على التكسب ومساندة الأسرة، أو لاستمرار بعضهم في الدراسة، أو لرفضهم بعض الممارسات في الشارع، أو لإحساس الطفل بأنه يعيش الحياة بطولها وعرضها.
لكن أعداداً أكثر من أطفال الشارع وشبابه تشعر بالإحباط، وتنظر إلى نفسها نظرة دونية مقارنة بالآخرين. إنهم قلقون على مستقبلهم وغير راضين عن أنفسهم، ويشعرون بالسخط على أسرهم أو أفراد منها، وينتابهم الإحساس بأنهم ضحية للظروف و»البهدلة» التي يتعرضون لها. يقول شاب (18 عاماً): «بشم كلة، وباخذ برشام، آمال أعمل إيه، ما انت شايف القرف اللي الواحد فيه».
ويقول طفل (13 عاماً): «الواحد مرمي زي الكلب في الشارع، من غير أكل ولا شرب ولا لبس عامل زي صفيحة الزبالة وأقل من كده».
وسواء كانت نظرة أطفال الشوارع الى أنفسهم سلبية أم إيجابية، فإن المؤكد أن غالبيتهم لا تعيش في انعزالية، لكنهم منخرطون اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً في نسيج يشمل الأطفال المراهقين والشباب. وجميعهم يتعرض لتنشئة اجتماعية منحرفة وغير نمطية، وهذا يتعارض بشدة مع الاتجاه السائد الذي بمقتضاه يتصور البعض أنه يمكن إنقاذ أولئك الأطفال بمجرد توافر البدائل والإمكانيات الممكنة. ويؤكد واضعو الدراسة أن السبيل الوحيد للإنقاذ هو التحول التدريجي الطويل المدى لهوية أولئك الأطفال ويتم ذلك من خلال «العمل الاجتماعي في الشارع» وهو فلسفة إنسانية تستهدف خلق حلقة وصل بين مؤسسات المجتمع الأصلي والشباب الذين يمثلون شريحة منشقة عنه•
أطفال الشوارع إذاً في أمس الحاجة الى توفير حقوقهم الأساسية، واستخدام الأساليب التأديبية والتأهيلية بالإكراه غير مجدية. هم في حاجة إلى بناء علاقات ثقة واحترام مع بالغين يهتمون بهم، ويصغون إليهم ويحاورونهم، إنها من الظواهر التي لا يمكن القضاء عليها بسهولة، لكن يمكن التخفيف من وطأتها.